الضيف.. الحوار المصوّر
أنا الدكتور يحيى حسين التيجاني.. الكاتب والمفكر.. بعد 12 كتاب ومُجلد.. وبعد عشرات المحاضرات واللقاءات التلفزيونية.. وبعد حوالي 30 سنة من محاولتي تنوير عقول الناس والإصلاح الديني.. أُعلن أنني فشلت.. وأنني أسحب كل ما كتبت.. وكل ما قلت.. وكل ما أذعت
بهذه الكلمات بدأ الإعلان الأول للفيلم والفيلم نفسه أيضًا، نسبة الشاشة الطولية تشي بأنه تصوير هاتف والذعر جلي على وجه الدكتور يحيى التيجاني وهو ممسك بمسدس يوجهه تجاه جمجمته ليحطمها، لم يشي الإعلان بأي شيء آخر عن الفيلم سوى ممثليه وصناعه وبعض الجمل أن الفيلم يدور بشكل عام عن الدين، لم نُصدم فالفيلم تأليف إبراهيم عيسى مؤلف فيلم مولانا من قبل وهناك بعض الأخبار أن الفيلم يواجه مشاكل مع الرقابة لذلك نتوقع أنه تجاوز بعض المُحرمات الثلاث في الرقابة المصرية (الدين - السياسة - الجنس)، ولكن أين هو الفيلم! الإعلان لم يشي بأي قصة أو أحداث أخرى! لذلك افترضنا أن صناعه اعتمدوا على التشويق لجذب المشاهدين، لن نخبرك عن أي شيء في القصة حتى تأتي بنفسك وتشاهدها، وهنا تأتي أول مجازفة، هل سيخاطر مشاهديك بثمن تذكرة السينما الباهظة للمراهنة على هذا الطاقم؟ أعتقد أن الإيرادات ستجيب عن هذا التساؤل ولكن هذا ليس موضوعنا حقًا، فمنذ متى كانت الإيرادات هي الدليل على نجاح الفيلم من عدمه! في الواقع لو نشرنا قائمة بأكثر الأفلام المصرية ربحًا سنتفاجأ جميعًا بالنتائج، ولكن دعنا لا نخوض في تلك المناقشة الآن.
عند مشاهدتك للفيلم ستواجه عدة صدمات أولها أن الإعلان غير تشويقي! في الواقع هذا كل ما يقدمه الفيلم، مجرد حوار طويل بين أربعة أشخاص عن عدة مواضيع مختلفة عمادها الدين بالطبع، يمكننا أن نعتبره (كواترو-دراما) لو أن هناك شيء بهذا الاسم، وهناك ثنائيات تتشكل وتتفكك على سبيل كسر الروتين على مدى الفيلم لكن تلك العملية أضعفت الدراما بسبب أن نصف طاقم العمل امتهن التمثيل كوجه جميل ليس أكثر، عندما تضع حوارًا بين جميلة عوض وشيرين رضا فأنت تضمن أن المشاهدين لن يستقبلوا أي احساس منهما! لأنهما ببساطة ليس لديهما شيئًا يقدماه، سببا فشل عدة اعمال ولازال يصر عليهما صناع الأفلام! ولكن ثنائي (خالد الصاوي - أحمد مالك) كان عظيمًا بحق، كلاهما درس الشخصية وحضّر أبعادها في عقله لدرجة أنني ارتبت في أحمد مالك منذ تبادله للنظرات مع جميلة عوض في بداية دخوله، يجب أن تكون ممثلًا بارعًا حتى تقنعني بشخصيتك من أول دقيقة هكذا، وخالد الصاوي ستستغرق وقتًا للاعتياد على شخصه في الفيلم ولكن براعته ظهرت في عدم الخروج عن الشخصية في أي موقف، ولكن من أين أتى رسم الشخصية الممتاز هذا؟ النظارة السميكة والشارب الكث وطريقة الحديث تلك، لابد أن صناع الفيلم اعتمدوا على شخصية حقيقية بنوا على أساسها هذا البناء العظيم :)
الصدمة الثانية أن الضيف الحقيقي في الفيلم هو الحبكة الدرامية، فهي كضيف خفيف يشرب الشاي ويقوم كما يقولون، فصدقني عندما أُخبرك أن كل الأحداث في الفيلم - لو أن هناك أحداث - يمكنك أن تتوقعها من على بعد ميل! فكرة أن نبدأ الفيلم بنهايته أصلًا لا تترك لك اختيارات عدة، لذلك علينا أن نسأل، لماذا لم يضع صناع الفيلم مجهودًا في القصة مثلما وضعوا في الأفكار المتناولة؟ فالفيلم يناقش عدة قضايا غاية في الحساسية وتتطلب بحثًا ودراسة كبيرين، ولكن عندما تضع تلك الأفكار في وعاء العمل الفني الرديء ستُهاجم باعتبارها أفكار رديئة هي أيضًا! لابد من قصة محبكة يتم تناول الأفكار فيها حتى تُهضم، ولكن كل ما شعرت به أنه عرض لأفكار إبراهيم عيسى يقابلها رد من شخص يمثل كل المتشددين وتم "تفصيل" قصة لتلائم هذا الحوار، مشكلة كبيرة كانت في مولانا أيضًا أن البطل ما هو إلا نسخة مصغرة من إبراهيم عيسى بأفكاره ومعتقداته ونحن أمام تلك المشكلة بصورة أكبر الآن، هذا الرجل لا يرسم شخصية تحمل أفكاره هو يرسم أفكاره تحمل شخصية والفارق بين الجملتين كبير.
الصدمة الثالثة هي الغياب التام لهشام نزيه طوال الفيلم، لقد كانت موسيقى هذا الرجل بطلة في عدة أعمال سابقة نتذكر منها (الأصليين - تراب الماس - هيبتا - ولاد رزق - الفيل الأزرق - إبراهيم الأبيض) وغيرها العديد، لماذا لم نسمع أي مقطوعة علها تُلهينا عن الإيقاع البطيء للفيلم وتمنع عنا الملل؟ على الرغم من دور الموسيقى في الإعلان إلا أنها لم تتواجد تمامًا سوى في تتر النهاية، لقد قال لي أحد الأصدقاء أن الفيلم ينقصه شيء ما لكنه لا يعلم ما هو هذا الشيء، حسنًا إنه الموسيقى روح العمل الفني، عندما غابت حل الضجر وفقد الفيلم أداه مهمة من أدواته.
آخر ما تم ملاحظته هو على الرغم من ثبات د. يحيى على أفكاره حتى النهاية، إلا أن حديثه في مقدمة الفيلم الوارد ذكرها في بداية المقال تنم عن يأس حقيقي، دعنا ننظر من منظور فلسفي ودعنا من قصة الفيلم حتى لا نُفسدها على من لم يشاهده، هل هناك شخص متمسك بأفكاره لدرجة تجعله يتقبل السَجن لأجلها يقول هذا الكلام بتلك الطريقة؟ والإصرار على تلك الكلمات في إعلاني الفيلم وبدايته ونهايته ما هدفه؟ لو أننا أثبتنا أن د. يحيى ما هو إلا تمثيل لإبراهيم عيسى فهل تلك الكلمات تُعني فشله في تحقيق الإصلاح الديني بالفعل؟ لا نعلم ولكنها نظرية تستحق التأمل، مثلها مثل الأفكار المتداولة في الفيلم والتي لن أخوض فيها باعتباري لست طرفًا في المعادلة، لكني سعيد بأن فيلمًا ذا قضية شائكة كتلك تم عرضه كاملًا بدون أي حذف، كذلك سعيد بأداء خالد الصاوي الذي عاد لمستواه بعد عدة أعمال كارثية.
الصدمة الثالثة هي الغياب التام لهشام نزيه طوال الفيلم، لقد كانت موسيقى هذا الرجل بطلة في عدة أعمال سابقة نتذكر منها (الأصليين - تراب الماس - هيبتا - ولاد رزق - الفيل الأزرق - إبراهيم الأبيض) وغيرها العديد، لماذا لم نسمع أي مقطوعة علها تُلهينا عن الإيقاع البطيء للفيلم وتمنع عنا الملل؟ على الرغم من دور الموسيقى في الإعلان إلا أنها لم تتواجد تمامًا سوى في تتر النهاية، لقد قال لي أحد الأصدقاء أن الفيلم ينقصه شيء ما لكنه لا يعلم ما هو هذا الشيء، حسنًا إنه الموسيقى روح العمل الفني، عندما غابت حل الضجر وفقد الفيلم أداه مهمة من أدواته.
آخر ما تم ملاحظته هو على الرغم من ثبات د. يحيى على أفكاره حتى النهاية، إلا أن حديثه في مقدمة الفيلم الوارد ذكرها في بداية المقال تنم عن يأس حقيقي، دعنا ننظر من منظور فلسفي ودعنا من قصة الفيلم حتى لا نُفسدها على من لم يشاهده، هل هناك شخص متمسك بأفكاره لدرجة تجعله يتقبل السَجن لأجلها يقول هذا الكلام بتلك الطريقة؟ والإصرار على تلك الكلمات في إعلاني الفيلم وبدايته ونهايته ما هدفه؟ لو أننا أثبتنا أن د. يحيى ما هو إلا تمثيل لإبراهيم عيسى فهل تلك الكلمات تُعني فشله في تحقيق الإصلاح الديني بالفعل؟ لا نعلم ولكنها نظرية تستحق التأمل، مثلها مثل الأفكار المتداولة في الفيلم والتي لن أخوض فيها باعتباري لست طرفًا في المعادلة، لكني سعيد بأن فيلمًا ذا قضية شائكة كتلك تم عرضه كاملًا بدون أي حذف، كذلك سعيد بأداء خالد الصاوي الذي عاد لمستواه بعد عدة أعمال كارثية.