تراب الماس.. الأفضل في كل شيء
منذ سنتان تقريبًا عندما سمعت خبر تحويل رواية تراب الماس إلى فيلم سينمائي اصبت بالحماس والاحباط في نفس الوقت، الحماس لأنني تذكرت الرواية التي قرأتها عند صدورها منذ عدة سنوات، الرواية كانت الأفضل في كل شيء بالفعل لدرجة أنني أنهيتها في زمن قياسي مقارنة بحجمها البالغ حوالي 400 صفحة، عندما تقرأ عملًا ما وتنفعل معه للغاية كذلك فأنت تتحمس حتمًا لرؤية خيالاتك وهي تتحقق على أرض الواقع، تتحمس وأنت ترى أبطالك المفضلين يقومون بتمثيل شخصياتك المفضلة، أتذكر أيضًا الاشاعات التي انتشرت والصور الملفقة عن تحويل الرواية لفيلم بطولة (أحمد حلمي) في دور (طه) ووالده هو (محمود عبد العزيز) رحمه الله، ولكن سرعان ما خرج المسئولون وقاموا بنفي كل ذلك ليتلاشى معه كل أحلامي، ولكن الإحباط جاءني لأني تذكرت آخر انتاجات (أحمد مراد) الروائية والتي تحولت لفيلم سينمائي وهو (الفيل الأزرق)، لا أنكر جودة (الفيل الأزرق) كفيلم ولا بالقفزة التي حققها في مستوى الأفلام المصرية، أنا لو شاهدته الآن لأعطيته حقه كاملًا بالتأكيد ولكني عند صدوره كنت قد انتهيت لتوي من الرواية، وهذا جعلني أمقت الفيلم للغاية في وقتها، فالأفلام لا تقارن بالروايات من حيث عمق الشخصيات ولا التفاصيل بالطبع، ولهذا طردت كل الأفكار التي قالت لي أن اقرأ (تراب الماس) مرة أخرى قبل مشاهدة الفيلم حتى لا أكرر نفس الخطأ، بل ظللت على حالي أعرف العناوين الرئيسية للقصة فحسب وأنتظر من الفيلم أن يفاجئني.
عندما تم إعلان طاقم العمل أدركت جودته على الفور، فكل فرد في مكانه المناسب كما أتذكره، (آسر ياسين) في دور (طه) الصيدلي البسيط الأسمر متوسط المستوى الذي يشبه معظمنا، ووالده (أحمد كمال) الذي ترى في عينيه نظرة من أكل عليه الزمان وشرب، مرورًا إلى (محمد ممدوح) كالسيرفيس و(ماجد الكدواني) كـ(وليد سلطان) وبالطبع (منة شلبي) و(شيرين رضا)، تشكية تشي بأن اختيار الطاقم تم بناءً على معايير سليمة وليس كما حدث مع (الفيل الأزرق) حيث أني لم اتفق كثيرًا مع تواجد (كريم عبد العزيز) كبطل الفيلم كونه لا يملك مقومات بطل الرواية من وجهة نظري المتواضعة بالطبع.
كعادة أعمال (أحمد مراد) وهي تفاوت الآراء ما بين جيد جدًا وسيء للغاية قررت مشاهدة الفيلم ساخنًا فور صدوره في السينمات، عدد كبير معظمه من نصف المجتمع الرقيق الذي اكتشفت انه جاء فقط لمشاهدة (آسر ياسين) ولكن هذا ليس موضوعنا، خفت أن يكن إيقاع الفيلم في بدايته مملًا كما حدث في (الأصليين) لكني لم أجد ذلك، خفت أن يتم إهمال أحداث مهمة من الرواية مثلما حدث مع (الفيل الأزرق) لكني لم أجد ذلك، بل ما وجدته هو سرد سلس يخطفك من المشهد الأول، تطور أحداث يبدأ هادئًا ثم يتركك كمن ضُرب على رأسه بمطرقة في منتصف الفيلم، أداء (آسر ياسين) وطبيعة شخصيته بالإضافة لكادرات (مروان حامد) جعلت معظمنا يشعر أنه مكانه ويتخذ القرارات معه، لازلت أتذكر إجابات مشاهدي الفيلم في قاعة السنيما عند كل مشكلة وقع بها البطل، لقد كسر الحائط الرابع وأدخلنا معه لنعش مغامرتنا الخاصة، فكلنا ندعى (طه الزهار) وكلنا لدينا أب تم قتله على يد مجهول!
نأتي هنا لشيء آخر وهو الجندي المجهول الذي أعطى للقصة ثقلها ألا وهو الرابط الدرامي للأحداث، منذ بداية الفيلم تظهر جملة
أحيانًا بنعمل أخطاء صغيرة عشان نصلح خطأ أكبر
وتتكرر على يد أشخاص كثر في مواضع مختلفة، وعندما نقف في منتصف الطريق مع البطل ونجد أن أمامنا اختيار أن نقوم بخطأ صغير لتصحيح شيء أكبر فإننا بالتأكيد نضع في عين الاعتبار كل ما حدث في الفيلم، منذ فترة كنت أتحدث مع صديق عن أن الضرورات تبيح المحظورات وأنه لا مانع من بعض الشر في سبيل تحقيق خير أعظم وهدف أسمى لكن صديقي اختلف معي بشده وأخبرني أن الخير والشر ثوابت لا نسبية لهما، فكرة (باتمان) البطل الأسطوري الذي يحقق العدالة بيديه، هل هو بطل لأنه يقوم بتحقيق العدالة أم أنه نذل لأنه يقوم بدور القاضي بدون أي وجه حق ويرتكب جرائم يستحق المحاسبة عليها، هذا هو السؤال الذي يطرحه الفيلم والرواية على حد سواء، سؤال فلسفي ستختلف فيه الآراء ولن نخرج برأي صائب مطلق، لكننا سنستمتع بسير الأحداث وما ستؤول إليه.
بذكر الممثلين لا يجب أن ننسى أيضًا ممثلًا خفيًا كان حاضرًا بقوة في كل المشاهد وهو الموسيقى، الأب الروحي لمعظم تحف السينما المصرية (هشام نزيه) كان حاضرًا في كل مشهد بأداء عبقري ينقل لك الاحساس المناسب بكل صدق، يظهر في وقته المناسب ليدخلك في الحالة المطلوبة ثم يرحل كضيف خفيف قام بواجبه ورحل دون أن تشعر به، ستعلق بذهنك احدى مقطوعاته بالتأكيد بعد انتهاءك من الفيلم.
يوجد بعض السلبيات البسيطة وأولها ملصق الفيلم لكنها اختفت وسط زخم الإيجابيات الضخمة ليصبح في رأيي أفضل انتاجات السنة ويستحق بالتأكيد لقب الأفضل في كل شيء.