شآبيب.. الرواية المحروقة

0


شآبيب.. الرواية المحروقة


هل تعرف ما هو الحرق؟ بالطبع تعرف، هي عملية تحويل أي شيء لرماد لا قيمة له نتيجة مس النيران الحارقة له، ولكني هنا لا أتحدث عن الحرق الفعلي مثلما حدث لبلدة شآبيب الوليدة في الرواية، بل أتحدث عن لفظة لا يعرف أحد أصلها تساوي في الإنجليزية Spoiler وهي تعني كشف الأحداث قبل رؤيتها في مكانها المناسب دراميًا، Spoiler جاءت من Spoil ومعناها إفساد، تعطي معنى أفضل قليلًا من حرق حيث أن لفظة حرق قوية للغاية ولكن هذا ليس موضوعنا الآن.


من بعيد يتصاعد الدخان من بركان جاواتامي. حوت عملاق ضخم ينعس في الأفق وتنبعث من ظهره نافورة مياه سوداء كثيفة شيطانية الرائحة

تلك الجمل جاءت في أول فصل من الرواية وأول صفحة أيضًا إذا أردت الدقة، ومعناها أن هناك بركانًا اسمه جاواتامي على وشك أن يثور، يشرح الكاتب في الفقرات التالية أيضًا أن المسألة مسألة وقت فقط ويثور البركان ليدمر كل شيء، وتدرك بعدها من الفصل الثاني أن ما حدث في الفصل الأول هو النهاية، وكل الرواية ما هي إلا Flash Back، فكرة جيدة نجحت من قبل في "مثل إيكاروس" لنفس الكاتب، ولكن التغيير هنا هو الغموض الشديد المحيط بالبطل في "مثل إيكاروس"، الغموض الذي لم نجده في روايتنا اليوم والتي يعتبر بطلها هو المكان (شآبيب)، في "مثل إيكاروس" لم نكن نعمل من الذي مات ولا من قتله ولا لماذا مما جعل الرواية شيقة للغاية، ولكن هنا نحن نعلم أن نهاية شآبيب ستكون على يد بركان ثائر، لا دوافع ولا غموض ولا أي شيء، منذ بداية ظهور بلدة شآبيب في الرواية ونحن نعلم نهايتها بالفعل فأين هو التشويق؟!

ربما كان التشويق في نشأة شآبيب نفسها، أن تنشأ دولة من العدم لهو أمر في غاية الصعوبة ومادة خصبة تجعلنا نريد كشف غموضها، ولكن دعني اقرأ لك الجمل المكتوبة على الغلاف الخلفي للرواية:


هذه ليست حربًا، لكنها تدانيها في الخطورة والأهمية. الهدف الاستراتيجي واضح جلي، لكنه يحتاج إلى مبرر أخلاقي وتاريخي. الوسيلة لن تكون نظيفة تمامًا لكن الغاية مبررة ومحترمة. القليل من الماكيافيللية لن يضر أحدًا...

هكذا استعان بأستاذ تاريخ وهو أحمد صفوان وأستاذ أديان مقارنة وأديب، كلهم من العرب المقيمين في الولايات، قال لهم:
-أريد تاريخًا مزيفًا!

هل بدأت تكون فكرة عن ماهية شآبيب؟ لو لم تعرف ماهيتها فانتظر لتقرأ الفقرة التالية على الغلاف أيضًا:


حلم واحد كان يلاحق مكرم؛ الأستاذ في جامعة هارفارد، أن يلتقي كل عرب المهجر في موضع واحد. كان يحلم بدولة واحدة يجتمع فيها العرب بعدما تشتتوا في العالم، هناك لن يضطهدهم أحد ولن يخيفهم أحد. سوف تكون دولة قوية لأنها ستمزج بين ما تعلموە في كل الحضارات.

انت الآن عرفت ما هي شآبيب وكيف ستنشأ وكيف ستنتهي، وكل هذا من الغلاف وأول صفحة فقط! ما الذي يدفعك إذًا لقراءة حوالي 330 صفحة؟! أنا سألت نفسي كثيرًا أثناء القراءة عن أسباب استمراري وأنا أعرف النهاية والأحداث بالفعل ولم أجد إجابة! هناك شخص يدعى مكرم يتمنى أن يجمع كل العرب في مكان واحد ترى هل سينجح أم يفشل؟ هذا هو الصراع الأول والمعروف نهايته بالفعل بأنه سينجح، دليلي على ذلك أن الرواية نفسها تدعى شآبيب! فلو كان سيفشل ما كنا أطلقنا هذا الاسم، الصراع الآخر بعد نشأة شآبيب هو هل ستنجح شآبيب أم تفشل؟ أعرف أنها ستفشل لأن بركانًا لعينًا سيأتي ليبيدها! أنت لم تشوقني لأي شيء البتة! حتى أني انتظرت أي أحداث غير متوقعة لكني لم أجد سوى حدث واحد أو ربما حدثين غير ذلك كل شيء معروف نهايته!





كل هذا غير أن الرواية نفسها هي إعداد آخر لعدد من أعداد فانتازيا بعنوان "وعد جوناثان"، لا مشكلة لدي في إعادة صياغة روايات صغيرة مرة أخرى لتصبح عملًا أكبر، بل أن رواية "في ممر الفئران" من أفضل الأعمال الأدبية التي قرأتها وهي الأخرى مأخوذة من "أسطورة أرض الظلام"، ولكن شرطي الوحيد هو التطوير، ففي "في ممر الفئران" نرى أن الكاتب قد أضاف شخصيات وأحداث طورت كثيرًا من الرواية وفكرتها الجيدة أصلًا، حتى نهاية الرواية نفسها جاءت مختلفة تمامًا عن نهاية الأسطورة، نعلم أن لُب الموضوع واحد ولكن حتى لو قرأت "أسطورة أرض الظلام" فإنك ستستمتع بـ"ممر الفئران" لأن بها العديد من التطورات الجيدة، كأن تأخذ قصة قصيرة وتحيلها لرواية، أساس القصة واحد ولكن توغل الرواية في أبعاد النفس هو ما يجعلها مختلفة، ولكن في روايتنا هنا لم نجد أي تغير يذكر سوى العديد من التفاصيل والشخصيات الحشو الذي لم يأتي ذكرها بجديد، شخصية محمد عدنان الجديدة في الرواية والتي لم يرد ذكرها في "وعد جوناثان" ظننا أنه سيكون لها دور أكبر في شآبيب كونها شخصية جديدة ولكن منذ وصوله لم يشارك بشيء يذكر! فصل كامل مثل مسرحية سطح السفينة لم يفيد بأي شيء ولم يقدم جديد، غير أن سرد أحداث قصة محمد عدنان نفسها جاءت على شكل قريب جدًا من قصة نشرها الكاتب في نهاية "وعد جوناثان" وكان قد أرسلها له أحد محبي السلسلة! فكرة اسماء الفصول والتي جاءت كالتالي (في سجن الكون - في سجن الوطن - في سجن المنصورة - في سجن الذات) بدلًا من الأرقام التقليدية جاءت مقتبسة من قصة الفتى الشاب (عمر طلعت) والتي أقتبس منها:


أشعر أحيانًا أني سجين، سجين عملي ومنصبي ومكانتي الاجتماعية، سجين في بيتي، في سريري، استحال العالم سجنًا ومكانتي وعملي كلاهما سجّانًا لعينًا

من قرأ الرواية سيدرك أن حياة محمد عدنان جاءت لتعبر عن نفس تلك الجمل بل أن الكاتب قال في جملة ما:


ظلت الرؤيا تطارده عندما ظفر بتلك الوظيفة الرتيبة.

هل الهجرة تجعله يفر من سجن الكون؟ يفر من شكوكه وذكرياته وحيرته؟

تشابه مبالغ فيه في الأفكار يجعلنا نتساءل عن سبب تقديم حياة محمد عدنان بتلك الطريقة بل وسبب تقديم شخصية محمد عدنان أصلًا التي لم تضف جديدًا للقصة!





كل هذا في جانب، والقصة الأصلية في جانب آخر، لو حكمنا على النص الأصلي الموجود في "وعد جوناثان" لوجدنا أن المشكلة في طريقة إيصال الرسالة، ما الذي يريد الكاتب إيصاله؟ أن التعصب دائرة مغلقة تلف على كل الناس بالترتيب بحيث تجعل المضطَهَد اليوم مضطهِدًا غدًا؟ أو أننا سنفعل مثل إسرائيل وأمريكا الذين نلومهم لو وضعتنا الظروف في نفس مكانهم، أم أنه يريد أن يقول إن الشعب العربي شعب متفرق بطبعه ولا يميل للوحدة أبدًا؟ أتفهم أنه يريد أن ينقل كل تلك الأفكار ولكن عليك ألا تنقلها بهذه الطريقة المباشرة للغاية! فكل تلك الأفكار تمت كتابتها صريحة في مواضع متفرقة في الرواية، نفهم لو أن ذلك حدث في "وعد جوناثان" فهي في الأول والآخر رواية موجهه لقراء شباب ربما يجب التأكيد على المعلومة عندهم، ولكن بالنسبة لعامة القراء لا أحبذ أن تفترض الغباء فيهم! لقد أدركنا الأفكار لا داعي لحشرها بالملعقة في فمنا.

ولكن يجب أن نقول إن النظرة المستقبلية للرواية غاية في الخطورة، فكل منا رأى نفسه في بطل من الأبطال الذين رفضتهم بلادهم وقرروا البدء في جديد في بلاد جديدة، الواقعية مؤلمة وحقيقية للغاية ولكنها لو ظلت على نفس حالها كرواية قصيرة لكانت أفضل من رأيي.

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)